آية الله الشيخ علي بن الشيخ جعفر القدمي البحراني
( المتوفي 1131هـ ـ 1718م )
في هذه السطور نقف وفاءاً لأحد كبار رجالات العلم الذين حملوا لواء الفقه وقيادة الأمور في هذه البلاد وعانى الكثير كما هو دأب العلماء القياديين وهو أحد القادة في القرن الثاني عشر الهجري وهذه بعض التفاصيل في حياته قدس سره وفاءاً لتضحياته .
التعريف به :
هو آية الله الشيخ علي بن الشيخ جعفر بن آية الله العلامة الشيخ علي بن سليمان بن حسن بن سليمان بن درويش بن حاتم القدمي البحراني أباً عن جد ، أحد أعلام البحرين ( أوال ) والبارزين فيها من أهل الكمال . فقيه وإمام في الجمعة والجماعة ، وقاض ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .
مولده وقريته ومنشأه :
عاش ونشأ في قرية القدم جنوب غربي جدحفص وأساس تسميتها بالقدم لما يتناقل بأن بها اثر قدم الإمام المهدي عليه السلام وهذا الأثر موجود إلى يومنا في مسجد بُنيَ عليه . ولم يذكر العلماء المترجمون له سنة ولادته .
نشأته العلمية وأسرته :
نشأ الشيخ علي في أسرة متدينة وترعرع في أوساط علماء قل أن يجود بهم الزمان وكانت لهم مكانة مرموقة في البلاد .
- فجده هو آية الله العلامة الشيخ زين الدين علي بن سليمان بن حسن بن سليمان القدمي قال عنه في اللؤلؤة : وهو أول من نشر علم الحديث في بلاد البحرين ، وقد كان قبله لا أثر له ولا عين ، وروّجه وهذّبه ، وكتب الحواشي والقيود على كتابي التهذيب والإستبصار ، ولشدة ملازمته للحديث وممارسته له اشتهر في ديار العجم بـ( أم الحديث ) ، وكان رئيساً في بلاد البحرين مشاراً إليه ، وتولّى الأمور الحسبية وقام بها أحسن قيام ، وقمع أيدي الحكام وذوي الفساد في تلك الأيام ، وبسط بساط العدل بين الأنام ، ورفع بدعاً عديدة قد جرت عليها الظلمة وكانت وفاته تغمده الله برحمته في السنة الرابعة والستين بعد الألف (1064هـ _ 1654م) ومن مصنفاته رسالة في الصلاة ورسالة في جواز التقليد وحاشية على كتاب المختصر النافع صغيرة مختصرة ، وقبره مزار معروف بقرية القدم ، إلى أن قال : سافر إلى العجم واتصل بالشيخ البهائي واخذ علم الحديث عنه ورجع على البحرين نشره فيها .
ويلاحظ على كلام صاحب اللؤلؤة أن الشيخ علي _ الجد _ كان مجدداً في الحركة العلمية وأنه كان بداية نقلة علمية جديدة من نوعها في الحوزة البحرانية التي عرفت في تلك الأزمنة بالطريقة الإخبارية والتي قل أن تعنى بشأن الحديث حيث كانوا يرون صحة مافي الكتب الأربعة دون مناقشة السند ولكن للشيخ علي دور في إحداث نقلة نوعية في هذه المدرسة ، وفي أنوار البدرين نقل عن الشيخ سليمان الماحوزي ما لايوجد في الفهرست المطبوع مانصّه : ولما سافر واجتمع بشيخنا البهائي في محروسة اصفهان واستجاز منه وقابل كتابي الأخبار على نسخته ولاسيما كتاب التهذيب رجع إلى البحرين واجتمع علماء البحرين لاستماع الحديث منه ومعارضة كتب الحديث بنسخته . ويظهر من خلال ترجمة بعض العلماء أن الشيخ علي هذا له سلطة حتى على علماء البحرين فقد كان يعين القضاة ويقوم بعزلهم ، إضافة لما له من دور بارز في مجال القضاء ، ونقد الحكام على المستوى السياسي فقد واجه انحراف الحكام الذين حكموا البحرين من قبل السلطة القائمة على الحكم آنذاك . توفي هذا الشيخ في البحرين وقبره في قرية القدم مزار معروف منذ زمن صاحب اللؤلؤة إلى يومنا ، كما وصفه الشيخ عبد الله السماهيجي في إجازته للجارودي بوصف قال فيه وكان هذا الشيخ رئيساً في هذه الديار مشار إليه . وقال عن قبره : وقبره مزار معروف الآن بقرية القدم رحمه الله .
أقول : وفي مرآة البحرين [ المخطوط ] أن وفاة هذا الشيخ كانت في العام 1160 هـ على خلاف ماذكره صاحب اللؤلؤة والمعوّل على ماذهب إليه صاحب اللؤلؤة فالسماهيجي لم يذكر السنة في اجازته . وأما بقاء الشيخ علي بن سليمان القدمي إلى العام 1160 بعيد جداً فهو من أعلام القرن الحادي عشر وليس الثاني عشر ، سيما بعد أن ذكر أن حفيده الشيخ علي صاحب الترجمة قد توفي في العام 1131هـ فهو ما يجعلنا نستبعد قوله هذا .
- ووالده الشيخ جعفر أحد مشايخ علامة الزمان الشيخ سليمان البحراني في الإجازة والذين روى عنهم قال عنه الشيخ سليمان في الفهرست : نروي عنه _ أي عن الشيخ علي بن سليمان الجد _ بواسطة ابنه الأفخر الشيخ جعفر وغيره ، ويروي عنه أحد تلامذة المجلسي وهو الشيخ محمود بن علي الميمندي المشهدي كما في تلامذة المجلسي للسيد أحمد الحسيني ، وقال عنه الشيخ يوسف في اللؤلؤة : وكان شديداً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إماماً في الجمعة والجماعة بعد أخيه ]ٍ أي الشيخ صلاح الآتي ذكره حيث جلس مجلس أبيه ومن بعده جاء الشيخ جعفر والد المترجم ] . وقال عنه السماهيجي في إجازته المطولة مانصه : رأيته في أواخر عمره وكان شديداً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إمام في الجمعة والجماعة ، مدرساً في مدرسة القدم . كم توفى ؟
- عمّه الشيخ صلاح الدين بن علي بن سليمان : قال عنه صاحب اللؤلؤة : وكان فاضلاً سيما في علم الحديث والأدب ، وله بعض الحواشي على التهذيب وتولى الأمور الحسبية بعد أبيه وجلس مجلسه في القضاء والدرس والجمعة والجماعة إلا أنه لم يبق بعد أبيه إلا مدة قليلة . وقال عنه الشيخ سليمان الماحوزي في فهرست علماء البحرين :الشيخ المحقق صلاح الدين ابن شيخنا الأفقه الشيخ علي بن سليمان ، كان نادرة وقته في الذكاء وحدة الذهن رأيت له حواشي متفرقة على كتابي الشيخ _ أي الطوسي _ في الحديث مليحة ، كان منشأ شاعراً توفي شاباً بدار العلم شيراز .
وقد علّق الأخ الفاضل الشيخ فاضل الزاكي _ حفظه الله _ في تحقيقه الرائع على كتاب الفهرست للشيخ الماحوزي حول هذه الجملة الأخيرة في ترجمة الشيخ صلاح هذا مانصّه : لايوجد فيما بأيدينا من المصادر أي مصدر يحدد تاريخ وفاة المترجم إلا أن بإمكاننا أن نحددها على وجه التقريب مابين سنة ( 1065 هـ ، 1655م ) إلى سنة ( 1070 هـ ، 1660 م ) حيث إن المصادر تذكر أنه توفي شاباً وأنه لم يعش بعد أبيه إلا قليلاً وحيث أن والده توفي سنة 1064 هـ فمن المفروض أن لا يتجاوز هو المدة التي حددناها ، وإن تجاوزها فلن يتجاوز سنة 1075هـ جزماً وإلا لما كان هناك معنى لقولهم : إنه لم يعش بعد أبيه إلا قليلا .
وفي كتاب مرآة البحرين المخطوط ترجمه بما نصّه : ومنهم : الشيخ المحقق الشيخ الأفقه الشيخ صلاح الدين بن الشيخ الأجل الفاضل علي بن سليمان، كان آية من آيات الله في الذكاء والحافظة وحدة الذهن، منشئ شاعراً وقد توفى شاباً في دار العلم شيراز، وكان الشيخ العلامة الشيخ محمّد بن ماجد عطر الله مرقده كثيراً ما يثني عليه ويبالغ في تعريفه وفضله، وكان بينهما مودة وصحبة عظيمة قدّس سرهما .
أقول : يستفاد من مخطوطة ( مرآة البحرين ) للجزيني العاملي أن الشيخ صلاح الدين هذا قد مات شهيداً بالسم في شيراز فقد تعرض لذكره ضمناً في ترجمة أخيه إبراهيم الآتي ذكره فقال _ عن الشيخ إبراهيم الآتي ترجمته _ : توفى مع أخيه العالم الرباني الشيخ صلاح الدين بشيراز بالسم مع جملة من صلحاء أهل أوال، كذا وجدت. ولم يذكر هذا الكلام في ترجمة الشيخ صلاح الدين المستقلة والله العالم بحقيقة الحال.
- عمه الآخر الشيخ حاتم : قال عنه صاحب اللؤلؤة مانصّه : وهو فاضل فقيه . وأما السماهيجي في اجازته فقد وصفه بقوله : وهو فقيه. ولم يزد على ذلك . إلا أن الجزيني العاملي صاحب كتاب مرآة البحرين قد افرد له ترجمة فيها بعض تفاصيل أكثر من اللؤلؤة والإجازة وفيما يلي ننقل نصّها كاملاً عن مخطوطته : يقول : ومنهم الشيخ أبو المكارم الشيخ حاتم بن الشيخ علي بن سليمان أخو الشيخ جعفر المذكور آنفاً وهو أكبر منه سناً، علم عالم عامل كامل، لـه اليد الطولي في إنفاذ الأحكام الشرعية وإعلاء كلمة الإسلام حتّى علا على الحكام العظام والرؤساء الكرام فلا تأخذه في الله لومة لائم ذو همة عليّة تنحط عن رتبتها الثريا، قد شارك سميّه الطائي في السماحة والجود، وفاق على أقرانه في إتلاف الموجود (قدّس سرّه) قد توفى [في] بلاد اليمن في طريق الحج . _ انتهى_
- عمه الثالث : الشيخ إبراهيم القدمي : ولم يترجم له صاحب اللؤلؤة بل ولم يعده حتى من أولاد الشيخ علي بن سليمان فقد قال في اللؤلؤة مانصّه : وللشيخ علي المذكور أولاد ثلاثة ، وكذا الحال في إجازة السماهيجي فقد قال في ترجمة الشيخ صلاح مانصّه : وله أخوان فاضلان أحدهما الشيخ حاتم وهو فقيه والثاني الشيخ جعفر ... فلم يذكرا الشيخ إبراهيم هذا وهو من عجيب أمرهما . أما الشيخ سليمان الماحوزي فقد أفرد له ذكراً في رسالة (جواهر البحرين) قال فيه : إبراهيم ابن الشيخ الحجة القدوة علي بن سليمان فاضل صالح ، توفي في دار العلم ( شيراز ) وزرت قبره هناك _ انتهى _ وقد أخطأ الأستاذ سالم النويدري في نقله هذا الكلام عن كتاب الفهرست فالشيخ الماحوزي ذكره في الجواهر وقد تكرر منه هذا الخطأ في أكثر من موضع .
وأما صاحب كتاب مرآة البحرين [ المخطوط ] فقد أفرد له ترجمة أشمل مما اختصره الماحوزي في الجواهر قال فيها : ومنهم : الشيخ الفقيه النبيه الفاضل الحكيم الشيخ إبراهيم بن الشيخ علي بن الشيخ سليمان أخو الشيخ المذكور بلغ رتبة الاجتهاد وصار في العلم علماً بين الخاص والعام، توفى مع أخيه العالم الرباني الشيخ صلاح الدين بشيراز بالسم مع جملة من صلحاء أهل أوال، كذا وجدت .
أقول : يستفاد من هذه العبارة عدة أمور :
1- أن الشيخ إبراهيم مات بشيراز كما أورده الماحوزي
2- أنه مات مسموماً وكذا حال أخيه الآخر الشيخ صلاح الدين
3- أنه مات معهما جماعة من أهل البحرين ولعله بنفس السبب
4- أن الشيخ العاملي صاحب مرآة البحرين قد وجد مصدراً مخطوطاً ذكر هذه الحادثة لعله إجازة أو كتاب تراجم والله العالم بحقيقة الحال .
خلاصة الكلام :
ومما سبق نجد أن هذه الأسرة قد نبغ فيها جماعة من أهل الفضل وعرفوا بحدة الذكاء في المجال العلمي ولا شك ان مترجمنا كان له نصيب من هذه الفضائل ومحاسن هؤلاء الأفاضل من صفوة أبناء أوال وأهل الفضل والكمال . ومن الملاحظ أيضاً أن هذه الأسرة لها مزيد من الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو دور إصلاحي اجتماعي كبير خصوصاً عندما يرتبط بالعلماء ، وكذلك يستفاد أنهم لظروف معينة قد تركوا بلاد البحرين لبلدان شتى والله العالم بالأمر الداعي لذلك .
تديّنه وورعه وعلاقته بالله :
لهذا الشيخ علاقة بالله قلّ نظيرها فقد نقل أحد معاصريه وهو الشيخ محمد مكي بن محمد ضياء الدين العاملي الجزيني الذي زار البحرين وكتب عن علمائها وعاصر علماءها واستفاد منهم في القرن الثاني عشر ، قال في كتابه المخطوط مرآة البحرين في هذا الشيخ : جمال العابدين وقدوة العارفين أورع المقدمين والمتأخرين، النقي الزكي الرضي ، وقال أيضاً : لم أشاهد مثله ولم يسمح الزمان بشبهه، فليله كلُّه عبادة ونظر، وأما نهاره فتدريس ونظر، أو فصل قضاء وحكومة أو تلاوة أو دعاء، ما تلفظ بكلمة لغواً ولا استعمل السخرية ولا الهزء، وكان إذا ركب يتلو القرآن إلى وقت نزوله، أوقاته كلها معمورة بالطاعات، أكثر الأعوام كان يسافر إلى الحج والزيارات للأئمة عليهم السلام، ذا عفة وحياء وبسطة وسخاء، قد بسط العدل في البلاد، وأزال عنها عامة الفساد، وراج الشرع في وقته أي رواج .
وقال عنه تلميذه الشيخ السماهيجي في إجازته الكبيرة _ حيث كان المترجم حياً وقت كتابة تلك الإجازة _ : زاهد عابد ، عزيز النفس ، غير راغب في الدنيا وجمع الأموال عدل ثقة .
مستواه وأقوال العلماء في حقّه :
يظهر من كتاب الفهرست للشيخ الماحوزي وضمائم إجازة الشيخ السماهيجي أن صاحب الترجمة من طبقة العلامة الشيخ سليمان الماحوزي قدس الله سره ، ولوالد المترجم أعني الشيخ جعفر إجازة للشيخ سليمان الماحوزي ، فربما لهذا الأمر لم يترجم له الشيخ سليمان في الفهرست فقد ترجم لجد المترجم ووالده وعمه صلاح الدين والشيخ إبراهيم كما مر . وفيما يلي نتعرض لأقوال العلماء في مستواه العلمي وفضيلته .
قال عنه الشيخ السماهيجي في إجازته للجارودي _ ضمناً في ترجمة عمّه الشيخ صلاح وبعد ذكر والده _ : وله ابن فاضل فقيه أفضل منه وأفقه اسمه الشيخ علي ( سلّمه الله ) وذكر أنه تولى الأمور الحسبية في البلاد وهو مشابه لما ذكره الشيخ يوسف في اللؤلؤة .
أما صاحب مرآة البحرين [ المخطوط ] فقد أطرى عليه كثيراً مما يستفاد منه كون صاحب الترجمة ذا باع في العلم فاق الكثير من أقرانه فقال مانصّه : الشيخ آية الله في العالمين ولطيفة المؤمنين، علامة زمانه وأوحد عصره وأوانه، نور الله الظاهر والمثل الشهير السائر، جمال العابدين وقدوة العارفين أورع المقدمين والمتأخرين، النقي الزكي الرضي أبو الفضائل الشيخ علي (قدّس سرّه)، ماذا أقول في وصف محاسنه وكماله، وماذا أقول في فضائله وأفضاله، كان أفضل أهل زمانة وأورعهم وأعفهم وأعبدهم، فقيهاً محدّثاً مجتهداً في غاية الذكاء وحدة النظر والدقة والفطنة، لم أشاهد مثله ولم يسمح الزمان بشبهه
مؤلفاته وماصنّفه :
للشيخ علي بن جعفر رسالتان فقهيّتان وإجازة ولم أظفر بعناوين غير ذلك فيمن ترجم له قدس الله سره إلا فيما نذكره بعد الكلام عن رسالة الصلاة وهاتان الرسالتان هما :
1- رسالة في ( مناسك الحج ) : ذكرها السماهيجي في الإجازة ونقلها صاحب أنوار البدرين و الشيخ آغا بزرك في كتاب الذريعة .
2- رسالة في ( الصلاة ) : ذكرها السماهيجي في اجازته وعنونها الشيخ آغا بزرك تحت عنوان ( رسالة في الصلاة وأحكامها ) للشيخ علي بن جعفر بن زين الدين علي بن سليمان القدمي البحراني المتوفي 1131هـ حكى الشيخ عبد الله السماهيجي في اجازته الكبيرة لناصر الجارودي عن ولد المصنّف الشيخ محمد بن علي بن جعفر انها بعد لم تكمل . وفي هامش الإجازة الكبيرة علق السماهيجي قائلاً : وقد رأيت الرسالة المذكورة بلغت إلى حد الصلاة وذكر أنه تجاوزها إلى الزكاة والصوم .
3- إجازة منه لتلميذه السماهيجي : نقل آغا بزرك في الذريعة مانصّه : إجازة الشيخ علي بن جعفر بن زين الدين علي بن سليمان القدمي البحراني المتوفى بكازرون سنة 1131هـ للشيخ عبد الله بن الحاج صالح السماهيجي المتوفي سنة 1135هـ ، قال المجاز له في حاشية اجازته الكبيرة للشيخ ناصر أنه كتب إلي بهذه الإجازة من شيراز وفيها روايته عن والده عن جده زين الدين علي بن سليمان القدمي الشهير بأم الحديث عن الشيخ البهائي ، تاريخها جمادى الأولى سنة 1129هـ . انتهى
وقد يستفاد من تعليقة الشيخ السماهيجي حول رسالة الصلاة السالفة الذكر ، أن صاحب الترجمة إما يشرع في بحث استدلالي مرتب في الفقه أو أنه يكمل رسالته العملية التي يودع فيها آراءه وأفكاره . والله تعالى العالم .
أولاده :
الشيخ محمد بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر بن الشيخ علي القدمي قدس الله أسرارهم .
والكتب التي بين أيدينا لم تهتم بهذه الجزئية من حياة المترجم له ربما لاعتبارات كثيرة يرتئيها مصنفوها ، ولكن في إجازة السماهيجي ذكر ضمناً عبارة مفيدة يقول فيها : وله رسالة في أحكام الصلاة إلا أني لم أقف عليها أخبرني بها ابنه الأوحد الشيخ محمد ... ويحتمل لكلمة الأوحد هنا معنيان : الأوحد بمعنى أنه لم يكن لديه غيره ، أو ما اعتاد عليه المترجمون من إسباغ هذه الصفات على العلماء كالأفخم والأفقه والأوحد بمعنى وحيد زمانه في العلم ، وهذه العبائر وأمثالها متكررة في كتبهم . وعلى أية حال فالمتحصل هو أن الشيخ علي بن جعفر قدس الله سره لديه ولد وهذا الولد فاضل من أهل العلم أيضاً واسمه الشيخ محمد ، وبالنظر لتاريخ كتابة إجازة السماهيجي وهو العام 1128 هـ يكون الشيخ محمد هذا حياً حتى ذلك التاريخ بمعنى أن والده أيضاً كان حياً في هذا التاريخ أيضاً لأن وفاته كانت سنة 1131 هـ كما ذكر صاحب اللؤلؤة فلا يمكن أن نتعدى قولنا أن الشيخ محمد هذا كان حيّاً سنة 1128هـ مع أنه يحتمل احتمالاً كبيراً حياته بعد هذا التاريخ ويظهر أن الشيخ محمد هذا عاش خارج البحرين فوالده المترجم قد استوطن كازران والشيخ السماهيجي أيضاً كان في فترة كتابته للإجازة خارج جزيرة أوال فقد قال في خاتمة تلك الإجازة : وقد وافق الفراغ من تنميق هذه الإجازة مع تشويش البال وتقلقل الأحوال ومقاسات الخطوب والأهوال ومصادمة الحروب والقتال ومعاناة الشخوص والإنتقال في بلدة بهبهان في عصر الإثنين من الثالث والعشرين من شهر صفر ختم بالفتح للمؤمنين والظفر سنة 1128هـ ... ، ومع قرينة ان الشيخ السماهيجي مات خارج البحرين فيحتمل احتمالاً قوياً أن الشيخ محمد عاش خارج أوال في تلك السنوات والله تعالى أعلم بالحال . فالشيخ محمد هذا من مشايخ القرن الثاني عشر الهجري وليس لدينا علم ببقائه أكثر من ذلك أم لا قدس الله سره . وببركات الحاشية الصغيرة على إجازة السماهيجي والتي كتبها بخطه حصلنا على هذه المعلومة وقد أوردها آغا بزرك أيضاً في كتابه طبقات أعلام الشيعة الجزء السادس المختص بالقرن الثاني عشر ولكنه وقع منه سهواً قدس سره لتشابه الأسماء عنونة الشيخ بـ محمد القدمي [ المقابي ] وهو اشتباه كما لايخفى فإن كتب التراجم لم تذكر لقب المقابي قبل او بعد القدمي في تراجم آبائه ، وأما العبارة التي نقلها آغا بزرك عن إجازة السماهيجي فهي عارية أيضاً من لقب المقابي .
الراوون عنه بالإجازة ، وتلامذته :
نذكر منهم : الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي ذكرها في الإجازة الكبيرة المطبوع مؤخراً ، وفي الذريعة للشيخ آغا بزرك الطهراني هذه الإضافة المهمة : قال المجاز له في حاشية إجازته الكبيرة للشيخ ناصر _ أي ناصر الجارودي _ أنه كتب إليّ بهذه الإجازة من شيراز وفيها روايته عن والده عن جده زين الدين علي بن سليمان القدمي الشهير بأم الحديث عن الشيخ البهائي تاريخها جمادى الأولى سنة 1129 هـ . ونقل هذا الكلام أيضاً صاحب أنوار البدرين وبتصرف قليل لصاحب الذريعة .
ولم أظفر في كتب التراجم بمن صح تتلمذه على يد صاحب الترجمة إلا الشيخ السماهيجي حيث قال في إجازته : حضرت درسه مراراً ، وهذا لا يعني كونه ليس لديه تلامذة غير السماهيجي ، فبطبيعة الحال كان هناك تلامذة ولكن لم يذكروا ، فقد كانت سوق العلم في تلك العصور رائجة إلا أن الذي بقى من تاريخنا هو الذي دون فقط وغيرها ضاع مع الكثير مما ضاع من تراث هذه الأمة ، ويتطرق الشيخ السماهيجي للعلاقة التي تربطه بصاحب الترجمة فيقول في ذلك : ( ولي به اختصاص زائد واعتقاد عظيم كما هو أيضاً له بي اختصاص واعتقاد واتحاد ) .
رئاسته وطبيعة شخصيته :
معنى الرئاسة هو تصدي العالم لزعامة الحركة العلمية الدينية في البحرين (أوال) عامة . ويظهر من خلال التتبع لكتب التراجم وأحوال العلماء أن هذا المنصب تارة يكون بشكل انتخاب طبيعي يقع بين العلماء يسلمون فيه زمام الفقاهة لمن يستحقه من أهل الفضل ، وتارة تقوم السلطة الحاكمة والتي تتبع لحكومة خارج البحرين بالتدخل في التعيين .
إلا أن الأعم الأغلب يكون لأهل العلم النصيب الأوفر في انتخاب شخصية علمائية تدير دفّة ( الرئاسة الدينية ) في البلاد ويشمل هذا المنصب عدة أمور :
1- القضاء وفصل الخصومات كما هو مقرر في محله في كتب الفقه كما أنها إحدى مهام الفقيه الجامع للشرائط .
2- تعيين القضاة وحتى عزلهم كما هو الحال في الشيخ زين الدين جد المترجم لما آلت إليه هذه الزعامة .
3- تولي الأمور الحسبية ، والولاية كما حُقق ذلك في الفقه ضمن سلطة الفقيه وشؤونه ، ومعنى هذا الأمر أن هذا المنصب لا يصل إليه إلا فقيه جامع لشرائط الفتوى بل وزيادة على ذلك كونه أفقه وأعلم الموجودين بحيث يقدمون الأفضل من بينهم بشكل انتخابي .
4- التصدي للإفتاء العام في البلاد سيما في الأمور التي تكون مورد ابتلاء لأهل البلد قاطبة ويظهر من خلال ماوجدته في بعض التراجم إن لصاحب هذا المنصب حاكمية على آراء أهل زمانه ومعاصريه مما يدلل على كون المسائل التي تسند إليه في الإفتاء تخص شأناً عاماً للبلاد .
5- بالإضافة لكل ماتقدّم فمسألة التدريس والبحث العلمي من خلال التصدي للتدريس ورفد العلماء والتحقيق في المسائل .
وبعد هذا التقديم ننظر لصاحب الترجمة في نقل أصحاب التراجم ومدى شخصيته الرئاسية في البلد .
قال السماهيجي في اجازته : وقد تولى الأمور الحسبية في هذه الديار ، وكان شديد الإنكار لا تأخذه في الله لومة لائم ، غير مداهن للأمراء والكبراء ومن اجل ذلك وقع عليه خفة من قبل السلطان . ثم هاجر بعدها إلى ديار العجم . وقريب منه ماذكره صاحب اللؤلؤة .
وقال العاملي في مرآة البحرين [ المخطوط ] : قد بسط العدل في البلاد، وأزال عنها عامة الفساد، وراج الشرع في وقته أي رواج . وقال أيضاً عنه : فمن بعده زال المعروف في أوال، وصار المنكر ورأس الظلم، وكسدت سوق العلم .
ويستفاد مما سبق أن صاحب الترجمة كانت له الزعامة في البلد لفترة من حياته حيث كان يؤدي أمانته بشده في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يداهن الكبراء وهذا ما أدى لإخراجه من البحرين مما أدى أن يؤول أمر الرئاسة لغيره لكون منصبه شاغراً بعده ومن عبارة صاحب مرآة البحرين يستفاد أن منصبه ظل فترة من الزمان شاغراً مما أدى لرواج المنكر ، وألقى ذلك بظلاله على الحركة العلمية في البلاد ولا يستبعد أن يكون لأثر مستواه وثقله العلمي في ذلك الوقت وما يعنيه للبحرين .
والظاهر أن فترة رئاسته لم تدم طويلاً حيث كانت بعد الشيخ محمد بن سليمان المقابي إلا أننا لا نمتلك تحديداً دقيقاً للأعوام .
الوشاية بصاحب الترجمة عند الشاه :
قال الشيخ يوسف في اللؤلؤة : كان زاهداً ورعاً شديد التصلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، غير مداهن للأمراء والكبراء ، وقد تولى الأمور الحسبية في البحرين مدة إلا أنه لما هو عليه مما ذكرناه حسده بعض أمراء البلاد فكاتبوا عليه السلطان الأعظم الشاه سليمان ورموه بما هو برئ منه ، فأرسل له من أخرجه مقيداً مصفداً ، إلى أن وصل إلى كازران فحصل من بلغ حقيقة الأمر إلى السلطان وأخبروه بحقيقة حال الشيخ المزبور فأرسل عاجلاً أن يخلي عنه ويطلق فجلس في كازران وتوطن بها مدة مديدة ، وربما رجع إلى البحرين بعض الأوقات بعد مضي مدة مديدة من تلك الواقعة المتقدمة ، ثم رجع إلى العجم _ انتهى _
وليس لدينا تفاصيل حول القضية غير ماذكره في اللؤلؤة وأشار له السماهيجي إشارة عابرة ، وهو نظرة لما يقع في حياة العلماء جراء مجاهرتهم بالحق والنطق به في سبيل الله حيث لايروق للحكام إلا أن يكون العلماء داخلين تحت عباءتهم لا يجهرون بكلمة الحق صامتين عنها . كما يلقي بالضوء على سلطة المتنفذين الذين إذا تعارضت مصالحهم مع سلطة الفقهاء لجأوا لإزاحة العلماء بأي طريقة ، منها القتل والوشاية وغيرها والتاريخ يكرر نفسه مراراً .
الوضع السياسي في زمانه :
قامت الدولة الصفوية كنظام سياسي في إيران على يد الشاه إسماعيل الأول الذي ملك بين الأعوام ( 1501م_ 1524م) حيث توفي في العام 1524م أي في العام 930 هـ ، وقد تولى بعده ملوك من الصفويين وكانت البحرين آنذاك تخضع للإحتلال البرتغالي ، وأخذ أهل البحرين يكاتبون الشاه عباس الأول الذي يشترك معهم في المعتقد ضد البرتغاليين الصليبيين ليخلصهم من الإحتلال البرتغالي الذي طالت سنواته في بلادهم وقام الشاه عباس باستجابة طلبهم واستطاع أن يخرج البرتغاليين من جزيرة أوال ويضمها تحت مملكته وكان ذلك في العام 1601م . وفي هذه السنة يقول السماهيجي في ترجمته للشيخ محمد بن حسن بن رجب : وهو أول من صلى الجمعة في البحرين المحمية عن الشين بعد افتتاحها في الدولة الصفوية خلدها الله تعالى . والشيخ المقابي هذا هو من طبقة الشيخ علي بن سليمان القدمي جد المترجم وقد تتلمذ كل منهما على الآخر .
وباعتبار أننا لا نمتلك وثيقة تبين لنا سنة ولادة المترجم فنحن نقدر أنه عاش في فترة مابعد عباس الأول ولكن ما نستطيع الجزم به هو الملوك الذين عاش في زمانهم أو يقرب من زمانهم بحسب مانقله السماهيجي وصاحب اللؤلؤة ، فبحسب كتب التاريخ المهتمة بشأن الملوك الصفويين يكون ترتيب الملوك الصفوية فيما يقارب فترة المترجم هكذا :
1- الشاه عباس الأول : حكم مابين الأعوام [ 1587م_1629م ] ، حيث حرر البحرين في العام 1601م كما أسلفنا ويكون مدة ملكة بالتاريخ الهجري [ 996هـ _1038هـ] .
2- الشاه صفي الصفوي : حكم بين الأعوام [ 1629م_1642م ] أي مابين [ 1038هـ _1052هـ ] أو في العام 1053هـ كما نقله الشيخ القمي في منهى الآمال .
3- الشاه عباس الثاني : حكم مابين الأعوام [ 1642م_1666م ] ويطابقه من الأعوام الهجرية [ 1052هـ_1077هـ ] .
4- الشاه سليمان الأول ويسمى صفي الثاني أيضاً : حكم مابين الأعوام [ 1666م_1694م ] أي في [ 1077هـ _1106هـ ] وفي زمنه انتقل الشيخ صاحب الترجمة لكازران والتقى بالشاه سليمان
5- الشاه حسين الصفوي : حكم بين الأعوام [ 1694م _ 1722م] أي مابين الأعوام [ 1106هـ _1135هـ ] .وفي منتهى الآمال عن كتاب فارسي أن عزله كان في سنة ( 1137هـ ) بعد واقعة الأفاغنة وانتهاء دولة الصفويين ، وبقي في السجن حتى قتله السلطان أشرف وذلك في العام ( 1140هـ) .
ومن المجزوم به أن صاحب الترجمة عاش في ملك الأخيرين وكانت وفاة المترجم قبل انتهاء حكم الشاه حسين بحوالي ثلاث أو أربع سنوات .
كيف كان الصفويون يحكمون البحرين ؟
يتحدث عن طبيعة الحكم الصفوي في البحرين الشيخ محمد علي التاجر رحمه الله في كتابه عقد اللآل في تاريخ أوال ، بعد تولي الشاه عباس على البحرين مانصه ( فولى شؤونها الإدارية والملكية [ سوندك سلطان ] أحد ولاة العجم والأمور الملية الشرعية بيد الشيخ عبيد آل مذكور ..) .... فيظهر من نقله ومن عدة مصادر أيضاً أن طبيعة الحكم الصفوي في جزيرة البحرين أنه يقوم الشاه بتعيين ولاة من العجم يقومون بإدارة البلاد تبعاً للملكة الكبيرة وفي المقابل يجعل من العرب من يقومون بإدارة وتنظيم الشأن السياسي والشأن الديني في الجزيرة والذي كان بادئ ذي بدء بيد آل مذكور وقد استمر لسنوات طويلة ، كما يظهر من كتب التاريخ أن الشأن الديني والقضاء يفوض فيه فقيه عارف يعينه وينتخبه أهل الحل والعقد فترضاه الحكومة ممثلة بالحاكم العربي والرعية وربما نعرض بحثاً خاصاً عن طبيعة السياسة الصفوية في البحرين مستقبلاً إن شاء الله تعالى .
دوره في إيران
في الإجازة الكبيرة يذكر الشيخ السماهيجي المعاصر لصاحب الترجمة أنه كان له دور لا يقل عن دوره في البحرين إلا أنه ذكر أن استقراره ليس في كازران بل كان في شيراز وذلك في سنة تأليف الإجازة الكبيرة وهي سنة 1128هـ فقال في بيان دوره في إيران مانصّه ( وهو الآن بدار العلم شيراز ، إمام في الجمعة والجماعة ، متع الله المسلمين ببقائه ) .
وفاته ومدفنه :
لم يذكر السماهيجي له تاريخ وفاة باعتبار أنه كتب الإجازة الكبيرة في العام 1128هـ ، ونقل أن إجازة صاحب الترجمة له كانت سنة 1129 هـ وقد كان صاحب الترجمة حياً آنذاك وبعد سنتين تقريبا توفاه الله وكانت وفاته كما يقول الشيخ يوسف العصفور وهو الذي تفرد بخبر وفاته وبقية المصادر نقلته عنه في اللؤلؤة مانصّه : ( وقد توفي الشيخ علي هذا في كازران في السنة الحادية والثلاثين بعد المائة والألف ) . كما يبدو أنه دفن في كازران وأسأل الله أن أوفق للبحث عن قبره في تلك المنطقة لو يسر الله لي الوصول إلى هناك بعونه وقدرته ومدده .
وكتب بيمينه الداثرة
بشار عبدالهادي عيسى بن عبد الله بن عيسى العالي البحراني
في 8 رمضان 1430 هـ
والحمد لله أولاً وآخرا
مصادر البحث :
1- الشيخ عبد الله السماهيجي / الإجازة الكبيرة [ تحقيق الشيخ مهدي العوازم ]
2- الشيخ سليمان الماحوزي / فهرست علماء البحرين
3- الشيخ يوسف أحمد العصفور/ لؤلؤة البحرين
4- الشيخ علي البلادي البحراني / أنوار البدرين
5- الجزيني العاملي /مرآة البحرين [ مخطوط يقوم الأخ الفاضل الشيخ إسماعيل الكلداري بتحقيقه ]
6- الشيخ محمد علي التاجر / عقد اللآل في تاريخ أوال
7- الشيخ عباس القمي /منتهى الآمال ، ج2 في ذكر أولا الإمام موسى بن جعفر (ع) .
8- ناصر الخيري / قلائد النحرين
9- سالم النويدري / أعلام الثقافة في البحرين خلال 14 قرناً
10- جعفر المهاجر / الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي .
11- موسوعة ويكيبيديا حول الحكام الصفويين .
12- السيد علي البروجردي / طرائف المقال